الأربعاء، 19 يناير 2011

التطهير الدينى بعيون مختلفة


انتشر مؤخرا استخدام كلمة التطهير الدينى والتى بدأت بعد الإعتداء الآثم على الكنائس و إستهداف المسيحين فى العراق ونيجيريا ومصر.والواضح أن الكلمة لم تعد مجرد كلمة عابرة فى الصحف و قنوات الأخبار ، لكنها إنتقلت لتأخذ إهتماما سياسيا وهذا ما ظهر فى حديث الرئيس الفرنسي ساركوزى مؤخرا حينما قال أن ما يحدث للمسيحين فى الشرق الأوسط و أفريقيا ما هو إلا تطهير دينى، أى ما يعنى أن البلاد الإسلامية تطرد أصحاب الديانات الأخرى من المواطنين القائمين على أرضهم..
فى الواقع هذ هو الشىء الذى دفعنى للتساؤل من صحة هذا التحليل ؟ فهل ما يحدث فى الواقع من إعتداءات على مسيحين الشرق الأوسط هو تطهير دينى ؟! وإن كان الأمر كذلك من المسئول عنه ؟ ..لهذا السبب أحببت أن ألقى الضوء على هذا الموضوع الهام بوجهات نظر مختلفة .. ربما نصل لشىء من الحقيقة والتى بداية أراها تحمل أكثر من وجه رغم أن الحق ليس له سوى وجه واحد .
و لتكن البداية مع رؤية العرب فى عملية التطهير الدينى خاصة لأنهم المتهم الأول فى نظر الغرب ..
فى الواقع العرب يعتقدون أن الغرب هم المتهم والمُحرض على صناعة الإرهاب فى الشرق الأوسط و هذا لرغبتهم الأكيدة فى تقسيم الدول العربية والإطاحة بكل الحكومات الإسلامية عامة . فمنذ الحادي عشر من سبتمبر والعرب والمسلمون يشعرون أنهم متهمون دون ذنب . فربما يوجد بها أحد العناصر الشاذة من المتطرفين عند كل جماعة أو فريق ، لكن هذا لا يعنى أن باقى الفريق وما يحملوه من عقيدة أنهم متطرفون أيضا ويجب معاقبتهم .لكن للأسف هذا ما قد حدث ، فلقد تمت معاقبة العرب وإحتلال أراضيهم وقتل الأبرياء منهم فى أفغانستان والعراق بل وتطور الأمر إلى إهانة الدين الإسلامي ومطاردة كل ما هو مسلم فى أوروبا وأمريكا وكندا وإستراليا.
ومع هذا هم يرفضون أى إعتداء على الكنائس أو على أخوانهم المسيحيون لأنهم جميعا ينتمون للوطن نفسه ولا يجدون سببا للإعتداء عليهم أو طردهم . والحقيقة إن رأى هولاء العرب المعتدلون لا يختلفون مع الجماعات الإسلامية كثيرا والتى ترى أن المسلم قد اُمر فى القرآن الكريم أن يحمى أهل الكتاب من الديانات الأخرى وألا يعتدى عليهم .و يظنون أن هذه الإعتداءات الأخيرة ما هى إلا سلسلة من الأعمال الإرهابية منذ إندلاع الحرب الغير شرعية على العراق و أفغانستان. خاصة أن بعض الجماعات المتشددة والمرتبطة بالقاعدة ممن يقومون بهذه الأعمال الإرهابية التخريبية يعتقدون أن هذه حرب صليبية على العرب والمسلمون، لذا استطاعوا أن يستغلون الأوضاع المؤسفة فى بعض البلاد وقاموا بجرائمهم. من جهة أخرى يرى الشارع العربي أن جميع الهجمات جاءت بسبب ما نُشر من ملفات ويكيليكس .
وعلى ذكر ملفات ويكيليكس ننتقل إلى رؤية الغرب فى التفجيرات والإعتداءات الأخيرة على الكنائس وإستهداف المسيحين فى الشرق الأوسط وأفريقيا والتى أظنها مختلفة عن وجهة النظر العربية... هذا لأنهم يعتقدون أن السبب الرئيسي خلف الإهارب هو التشدد الديني الإسلامي وفرضه لقوانينه على العالم .. وأنه لا يقبل بالآخر ولا يحترمه ومن ثم هو لا يقبل بوجود أى مسيحي أو أى دين آخر على أراضيه . ويعتقدون أن ما تعانيه الدول الإسلامية والعربية من تخلف وجهل و نظم تفتقد للديمقراطية أصابت المواطن بحالة من اليأس والإحباط وولدت لديه مشاعر بالكراهية للآخر والحقد عليه، جميعها أسباب مناسبة للإرهاب. أيضا يرون أن حكومات هذه الدول غير متسامحة مع الدين المسيحي ولا يوافقون على إعطاء اتباع هذ الدين حقوقهم مما يؤكد تقصير دور الدولة فى حماية هؤلاء المواطنين ويتوج فكرة التهجير لهم .
كان هذا رأى الغرب فى الإعتداءات على مسيحيون الشرق الأوسط ..لكن هناك أيضا وجهة نظر عند المواطنين المسيحيون فى الدول العربية والإسلامية. فهم يرون أن سبب هذه الأزمات وتعرضهم للهجمات الخطيرة هو بسبب مطالبتهم لحقوقهم والتى ترفضها الحكومات .أيضا هم يدعون أن التيار السلفى أصبح هو المؤثر والحاكم فى المنطقة وفرض قوانين المسلمين على المسيحين مما يخالف القواعد العامة لهم .وعليه هم يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية وهذا ما يرفضه كل مواطن مسيحيى .لكن سيطرة هذه الجماعات الإسلامية فى الواقع هى التى دفعت البعض للإصطدام . ليس هذا فقط بل أن حرب أمريكا على العراق كانت سببا فى سخط المسلمين المتطرفين على المسيحين العرب دون ذنب.
وهنا إن كنت تطرقت لآراء العرب والغرب ومسيحيون الشرق الأوسط ..أعتقد أنه يجب أن ننتبه للآراء العامة الموجودة على شبكة الانترنت من خلال المواقع الإلكترونية الغربية والعربية معا وبخاصة الفيس بوك والمدونات. وأهمية هذه الآراء تقع فيما تقدمه من أطروحة غريبة تميل نوعا ما لصناعة المؤامرات ضد الدول العربية والإسلامية ..فحسب هذه المواقع وهى تنقل آراء ومعلومات عن مناهضى الإسلام فى أوروبا و أمريكا .. تقول أنه منذ عام 1980 نشطت منظمات معادية للإسلام وظهر ما يسمى الآن بفوبيا الإسلام وإنتشرت فى جميع دول أوروبا تحديدا. و كانت هذه المنظمات تنادى بضرورة طرد المسلمون من أوروبا وخاصة الدول الغربية ويبدو أن الأمر توقف برهة من الوقت ، لكنه عاد مرة ثانية فى عام 1997 حينما لاحظ الأوربيون أن التعداد السكاني للمسلمون فى إزدياد مما أثار مخاوفهم من تحويل هوية الدول الأوروبية المسيحية إلى إسلامية وترافق هذا التخوف مع نشاط الحركات الإسلامية و فى نفس الوقت التدخل اليهودى الكثيف والذى أضفى خوفا حقيقيا على مستقبل وشكل أوروبا.
وهكذا منذ حادث 11 – 9- 2001 عادت هذه المنظمات لنشاطها ولكن هذه المرة بقوة وجدية أكبر وسعوا للتضيق على المسلمين بكل السبل ، مرة من خلال منع المساجد أو منع الأذان أو منع النقاب و الحجاب ، وتوالت الإهانات على المسلمين وليس هذا فقط بات الأمر أكثر عنصرية حينما تم طرد الكثير والكثير من المسلمين وبخاصة عند الأزمة الإقتصادية ..لكن كل هذا لم يحقق رغبة هذه المنظمات فى طرد المسلمين أو تقليل أعدادهم.. لهذا فى عام 2007 و2008 كثرت مطالبات هذه المنظمات بضرورة تدخل الحكومات الأوروبية لطرد المسلمين لكن بطبيعة الحال كانت إجابة الحكومات هى الرفض. و هنا نرى كثير من المواقع باتت تردد شائعة حول تورط متطرفون غربيون من أعداء الإسلام فى مؤامرة التطهير الدينى المسيحي فى الشرق الأوسط وأفريقيا وعلاقتهم بجماعات وهمية تحمل اسم الإسلام . فى الواقع لن استطيع الكتابة بخصوص هذه الشائعة خاصة أن ليس لدي إثباتات حولها ولكن لمن يهتم بالموضوع لعله يجد وسيلة للمعرفة الصحيحة .
وعلى أى حال نهاية أيا كانت الأسباب أو الدافع خلف الإعتداءات الأخيرة على مسيحيى الشرق الأوسط وأفريقيا والتى ما كانت لتحدث إلا إن كان خلفها أرضية صالحة لنشوب الفتن والأزمات .. أرى أن الجميع يلعبون دورا هاما فى هذا الملف ولعل الآن يجب علينا كعرب أن نقف وقفة حاسمة صامدة أمام أى مخطط من أى إتجاه ..وأن نسد كل الثغرات حتى يستتب الأمن وينهى العنف ضد الأبرياء ..نحن شعوب تحترم جميع الديانات فوق أرض لذاعلينا أيضا أن نعود للمحبة والسلام و نغرز قيم التسامح ونأخذها منهجا وشرعا فى التعامل مع الآخر دون النظر لدينه أوعرقه أو لونه أو جنسه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق